السبت، 23 أكتوبر 2010

شيء من طفوله طيب الذكر يرويها المفكر

يقول يا صديقي بينما أنا جالس على جهازي الحاسوب أتصفح النت وقبله صحيفة كانت على مكتبي
شعرت بهدوء في المنزل غريب فقلت قم واستكشف سر هذا الهدوء فوجدت أبنائي ملتفين حول التلفاز في ظلمة الصالة.
فقلت أجلس حيث أنت وراقب!
يقول تارة أسمع همس كلام بعضهم لبعض وتارة أحس بأنفاسهم تعلوا ردة فعل لمشهد وتارة أسمع ضحكات وتارة أرى من تحت ضوء التلفاز حركات امتعاض وسرور تدل على الاندماج مع القصة.
فتذكرت يا صديقي دقائق من طفولتي.
تذكرت جدتي عندما تقوم بزيارتنا وأنت تعرف يا صديقي عندما تكون الأم أجنبية ( من خارج القرية
) تكون محسود من أقرانك لان جدك وجدتك لأمك يغدقون عليك بدقائق من الدلال.
يقول يا صديقي أذكر جدتي وأعرفها من بعيد عندما أرى طيفها وهى لابسة الحوكة ( غطاء ابيض تلف به رأسها وبعض من وجهها) وقد غسلته بلونه النيلي, وتحمل على رأسها قُفْة (زنبيل به بعض الأغراض لأبنتها
).
يقول عندها أترك ما بيدي سِوى كان رعي البهم ( صغار الغنم
) أو أي من العمل كان وأسرع نحو ذلك الطيف الضيف واقبلها وأحمل عنها ما على رأسها ماشياً أمامها في تباهي حتى أوصلها إلى منزلنا ثم أعود لأكمل ما كان بيدي من عمل.
يقول يا صديقي كل شيء يتغير العشاء يكون به حفاوة إن لم تحضر جدتي معها سادي (شيء من اللحم لوجود مناسبة عندهم) فتذكرت ابنتها وأبنائها بجزء منه أو أنها تأخذ من دجاج بيتها البياض إحداها وتذبحها أو أنها تستوصي من لديه سيارة فتودعه (تطلب منه) أن يشتري لها دجاجة متلجة (من المجمد
).
يقول يا صديقي أرى وجه أمي وقد اكتسى بالسرور وأرى الابتسامة قد حجزت مبسمها وقبل كل هذا أرى أمي وهي تذهب مسرعة لأقرب إناء ماء لتغسل وجهها لتخفي عن أمها شقاء ذلك اليوم وبعض من العناء.
يقول يا صديقي الكل فرح وحركتنا تزداد في ساحة ( الفناء أو الحوش
) البيت وتظهر علينا بغض من الشقاوة
يقول يا صديقي عندما يأتي أبي من بلاده (ارض صغيرة للزراعة
) البعيدة قرب المغرب تسارعنا إليه لكي نبشره بأن جدتي عندنا الليلة فيبادلنا نفس الفرح ويسألنا (بـ الله) ونرد عليه بعفوية وبراءة الأطفال (بـ والله).
يقول يا صديقي يقترب أبي من البيت وهو مرحب ومسهل بضيفتنا وقبل وصوله إلى باب بيته يبدءا يتنحنح (يصدر صوت
) لكي لا يشعر زوجته (أمي) بأنه يسترق السمع عليها مع أمها.
يقول يا صديقي رأيت حب أمي لأبي وهما يتبادلان الابتسامات بوجود جدتي يشعرك بدفء الأسرة وتقاربها.
يقول يا صديقي يحلو السمر ليس إلى وقت متأخر كما هو اليوم بل إلى بعد صلاة العشاء بوقت قصير يكون به من الكلام والسوالف والسؤال عن الأحوال والأخبار ما يعجز سرده.
يقول يا صديقي سمعت أبي وهو يوصي أمي بمهجع جدتي وأن يكون بأحسن ما لديهم من فراش.
هذا كله رأيته يا صديقي واليك الآن ما شدني من موقف أبنائي مقارنة بأيامنا
أبنائي يا صديقي التفوا حول التلفاز في ظلمة الصالة لمتابعة القصص والروايات على قنوات الأطفال, بينما كنا نحن في زماننا نجر أطراف فِراشنا لكي نقترب من جدتي فتحكي لنا الحكايات, أكاد اجزم إننا لم نسمع منها سِوى (كان يا ما كان في سالف الزمان) فيصرعنا النوم لشدة ما بنا من تعب .

يا صديقي سؤال يدور بخلدي ما هو موروثنا الأدبي الذي أورثناه لأبنائنا لكي يورثونه لأبنائهم؟
يا صديقي هل أنا السبب في جعل ابنتي تقص لأخيها قصة (بيتر) بدلاً من قصص أبو زيد الهلالي وعنترة والقصائد والشعر على طريقة جدتي في سردها؟